فصل: الفصل الثاني في وجوب الإمامة وبيان طرقها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **


 كتاب الإمامة وقتال البغاة

 الباب الأول في الإمامة وفيه فصول

الفصل الأول في شروط الإمامة وهي كونه مكلفاً مسلماً عدلاً حراً ذكراً عالماً مجتهداً شجاعاً ذا رأي وكفاية سميعاً بعيداً ناطقاً قرشياً وفي اشتراط سلامة سائر الأعضاء كاليد والرجل والأذن خلاف جزم المتولي بأنه لا يشترط وجزم الماوردي باشتراط سلامته من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض وهذا أصح‏.‏

قلت قال الماوردي عشا العين لا يمنع من انعقاد الإمامة لأنه مرض في زمن الاستراحة ويرجى زواله وضعف البصر إن كان يمنع معرفه الأشخاص منع انعقاد الإمامة واستدامتها وإلا فلا وفقد الشم والذوق وقطع الذكر والأنثيين لا يؤثر قطعاً والله أعلم‏.‏

فإن لم يوجد قرشي مستجمع الشروط فكناني فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل صلى الله عليه وسلم فإن لم يكن فيهم مستجمع الشرائط ففي التهذيب أنه يولى رجل من العجم وفي التتمة أنه يولى جرهمي وجرهم أصل العرب فإن لم يوجد جرهمي فرجل من ولد إسحاق صلى الله عليه وسلم ولا يشترط كونه هاشمياً ولا كونه معصوماً وفي جواز تولية المفضول خلاف مذكور في أدب القضاء فإن لم تتفق الكلمة إلا عليه جازت توليته بلا خلاف لتندفع الفتنة ولو نشأ من هو أفضل من المفضول لم يعدل إلى الناشيء بلا خلاف‏.‏

 الفصل الثاني في وجوب الإمامة وبيان طرقها

لا بد للأمة من إمام يقيم الدين وينصر السنة وينتصف للمظلومين ويستوفي الحقوق ويضعها مواضعها‏.‏

قلت تولي الإمامة فرض كفاية فإن لم يكن من يصلح إلا وأحد تعين عليه ولزمه طلبها إن لم يبتدئوه والله أعلم‏.‏

وتنعقد الإمامة بثلاثة طرق أحدها البيعة كما بايعت الصحابة أبا بكر رضي الله عنهم وفي العدد الذي تنعقد الإمامة ببيعتهم ستة أوجه‏.‏

أحدها أربعون والثاني أربعة والثالث ثلاثة والرابع اثنان والخامس واحد فعلى هذا يشترط كون الواحد مجتهداً وعلى الأوجه الأربعة يشترط أن يكون في العدد المعتبر مجتهد لينظر في الشروط المعتبرة ولا يشترط أن يكون الجميع مجتهدين والسادس وهو الأصح أن المعتبر بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء وسائر وجوه الناس الذين يتيسر حضورهم ولا يشترط اتفاق أهل الحل والعقد في سائر البلاد والأصقاع بل إذا وصلهم خبر أهل البلاد البعيدة لزمهم الموافقة والمتابعة وعلى هذا لا يتعين للاعتبار عدد بل لا يعتبر العدد حتى لو تعلق الحل والعقد بواحد مطاع كفت بيعته لانعقاد الإمامة ويشترط أن يكون الذين يبايعون بصفة الشهود وذكر في البيان في اشتراط حضور شاهدين البيعة وجهين‏.‏

قلت الأصح لا يشترط إن كان العاقدون جمعاً وإن كان واحداً اشترط الإشهاد وقد قال إمام الحرمين في كتابه الإرشاد قال أصحابنا يشترط حضور الشهود لئلا يدعى عقد سابق ولأن الإمامة ليست دون النكاح لكن اختيار الإمام انعقادها بواحد وذكر الماوردي أنه يشترط في العاقدين العدالة والعلم والرأي وهو كما قال والله أعلم‏.‏

ويشترط لانعقاد الإمامة أن يجيب المبايع فإن امتنع لم تنعقد إمامته ولم يجبر عليها‏.‏

قلت إلا أن لا يكون من يصلح إلا واحد فيجبر بلا خوف والله أعلم‏.‏

الطريق الثاني استخلاف الإمام من قبل وعهده إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما وانعقد الإجماع على جوازه والاستخلاف أن يعقد له في حياته الخلافة بعده فإن أوصى له بالإمامة فوجهان حكاهما البغوي ولو جعل الأمر شورى بين اثنين فصاعداً بعده كان كالاستخلاف إلا أن المستخلف غير متعين فيتشاورون ويتفقون على أحدهم كما جعل عمر رضي الله عنه الأمر شورى بين ستة فاتفقوا على عثمان رضي الله عنه وذكر الماوردي أنه يشترط في المعهود إليه شروط الإمامة من وقت العهد إليه حتى لو كان صغيراً أو فاسقاً عند العقد بالغاً عدلاً عند موت العاهد لم يكن إماماً إلا أن يبايعه أهل الحل والعقد وقد يتوقف في هذا‏.‏

قلت لا توقف فيه فالصواب الجزم بما ذكره الماوردي والفرق بينه وبين الوصي ظاهر والله أعلم‏.‏

وذكر الماوردي أنه إذا عهد إلى غائب مجهول الحياة لم يصح وإن كان معلوم الحياة صح فإن مات المستخلف وهو بعد غائب استقدمه أهل الاختيار فإن بعدت غيبته وتضرر المسلمون بتأخير النظر في أمورهم اختار أهل الحل والعقد نائباً له يبايعونه بالنيابة دون الخلافة فإذا قدم انعزل النائب وأنه إذا عزل الخليفة نفسه كان كما لو مات فتنتقل الخلافة إلى ولي العهد ويجوز أن يفرق بين أن يقول الخلافة بعد موتي لفلان أو بعد خلافتي‏.‏

قلت توقف إمام الحرمين في كتابه الإرشاد في انعزال الإمام بعزله نفسه والله أعلم‏.‏

وذكر الماوردي أنه يجوز العهد إلى الوالد والولد وفيه مذهبان آخران أحدهما المنع كالتزكية والحكم لهما والثاني يجوز للوالد دون الولد لشدة الميل إليه وأن ولي العهد لو أراد أن ينقل ما إليه من العهد إلى غيره لم يجز وأنه لو عهد إلى جماعة مرتبين فقال الخليفة بعد موتي فلان وبعد موته فلان وبعد موته فلان جاز وانتقلت الخلافة إليهم على ما رتب كما رتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراء جيش مؤتة وأنه لو مات الأول في حياة الخليفة فالخلافة للثاني ولو مات الأول والثاني في حياته فهي للثالث وأنه لو مات الخليفة وبقي الثلاثة أحياء فانتصب الأول للخلافة ثم إن أراد أن يعهد بها إلى غير الآخرين فالظاهر من مذهب الشافعي رحمه الله جوازه لأنها لما انتهت إليه صار أملك بها بخلاف ما إذا مات ولم يعهد إلى أحد فليس لأهل البيعة أن يبايعوا غير الثاني ويقدم عهد الأول على اختيارهم وأنه ليس لأهل الشورى أن يعينوا وأحد منهم في حياًة الخليفة إلا أن يأذن لهم في ذلك فإن خافوا انتشار الأمر بعده استأذنوه فإن أذن فعلوه وأنه يجوز للخليفة أن ينص على من يختار خليفة بعده كما يجوز أن يعهد إلى غيره ثم لا يصح إلا اختيار من نص على أنه يختار كما لا يصح إلا تقليد من عهد إليه وأنه إذا عهد إلى غيره بالخلافة فالعهد موقوف على قبول المعهود إليه واختلف في وقت قبوله فقيل بعد موت الخليفة والأصح أن وقته ما بين عهد الخليفة وموته قال صاحب التتمة وإذا امتنع المعهود إليه من القبول بويع غيره وكأنه لا عهد وكذا إذا جعل الأمر شورى فترك القوم الاختيار لا يجبرون عليه وكأنه لم يجعل الأمر إليهم‏.‏

قلت ومما ذكره الماوردي في الأحكام السلطانية من هذا أنه لو جمع شروط الإمامة اثنان استحب لأهل العقد أن يعقدوها لأسنهما فإن عقدوها للآخر جاز فإن كان أحدهما أعلم والآخر أشجع روعي في الاختيار ما يوجبه حكم الوقت فإن دعت الحاجة إلى زيادة الشجاعة لظهور البغاة وأهل الفساد كان الأشجع أحق وإن دعت إلى زيادة العلم لسكون الفتن وظهور البدع كان الأعلم أحق وأنه لو تنازعها اثنان فقد قال بعض الفقهاء يقدح ذلك فيهما فيعدل إلى غيرهما والذي عليه الجمهور أنه لا يقدح لأن طلب الخلافة ليس مكروهاً ثم هل يقرع بينهما عند التساوي أم يقدم أهل الاختيار من شاؤوا بلا قرعة فيه خلاف وأن الخليفة إذا أراد العهد لزمه أن يجتهد في الأصلح فإذا ظهر له واحد جاز أن ينفرد بعقد بيعته من غير حضور غيره ولا مشاورة أحد وأن المعهود إليه إذا استعفى لم يبطل عهده حتى يعفى فإن وجد غيره جاز استعفاؤه وخرج من العهد باجتماعهما وإن لم يوجد غيره لم يجز إعفاؤه ولا استعفاؤه ويبقى العقد لازماً والله أعلم‏.‏

 فصل وأما الطريق الثالث فهو القهر والاستيلاء

فإذا مات الإمام فتصدى للإمامة من جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة وقهر الناس بشوكته وجنوده انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين فإن لم يكن جامعاً للشرائط بأن كان فاسقاً أو جاهلاً فوجهان أصحهما انعقادها لما ذكرناه وإن كان عاصياً بفعله‏.‏

فرع لو تفرد شخص بشروط الإمامة في وقته لم يصر إماماً بمجرد ذلك بل لا بد من أحد الطرق‏.‏

 الفصل الثالث في أحكام الإمام

وفيه مسائل‏:‏ أحدها تجب طاعة الإمام في أمره ونهيه ما لم يخالف حكم الشرع سواء كان عادلاً أو جائراً‏.‏

الثانية لا يجوز نصب إمامين في وقت واحد وإن تباعد إقليماهما وقال الأستاذ أبو إسحاق يجوز نصب إمامين في إقليمين لأنه قد يحتاج إليه وهذا اختيار الإمام والصحيح الذي عليه الجمهور هو الأول فإن عقدت البيعة لرجلين معاً فالبيعتان باطلتان وإن ترتبتا فالثانية باطلة ثم إن جهل الثاني ومبايعوه بيعة الأول لم يعزروا وإلا فيعزرون ولو عرف سبق أحدهما ولم يتعين أو شككنا في معيتهما وتعاقبهما فليكن كما سبق في الجمعتين ولو سبق أحدهما وتعين واشتبه وقف الأمر حتى يظهر فإن طالت المدة ولم يكن الانتظار فقد ذكر الماوردي أنه تبطل البيعتان وتستأنف بيعة لأحدهما وفي جواز العدول إلى غيرهما خلاف‏.‏

قلت الأصح المنع والله أعلم‏.‏

قال الماوردي ولو ادعى كل واحد أنه الأسبق لم تسمع دعواه ولم يحلف الآخر لأن الحق للمسلمين ولو قطعا التنازع وسلم أحدهما الأمر للآخر لم تثبت الإمامة له بل لا بد من بينة بسبقه قال ولو أقر أحدهما بسبق صاحبه خرج منها المقر ولا تثبت للآخر إلا ببينة فإن شهد له المقر مع آخر قبلت شهادته إن كان يدعي اشتباه الأمر قبل الإقرار وإن كان يدعي التقديم لم تسمع للتكاذب في قوليه‏.‏

المسألة الثالثة إذا ثبتت الإمامة بالقهر والغلبة فجاء آخر فقهره انعزل الأول وصار القاهر الثاني إماماً‏.‏

الرابعة لا يجوز خلع الإمام بلا سبب فلو خلعوه لم ينخلع ولو خلع الإمام نفسه نظر إن خلع لعجزه عن القيام بأمور المسلمين لهرم أو مرض ونحوهما انعزل ثم إن ولى غيره قبل عزل نفسه انعقدت ولايته وإلا فيبايع الناس غيره وإن عزل نفسه بلا عذر ففيه أوجه أصحها لا ينعزل وبه قطع صاحب البيان وغيره والثاني ينعزل لأن إلزامه الاستمرار قد يضر به في آخرته ودنياه والثالث وبه قطع البغوي إن لم يظهر عذر فعزل نفسه ولم يول غيره أو ولى من هو دونه لم ينعزل وإن ولى مثله أو أفضل ففي الانعزال وجهان وهل للإمام عزل ولي العهد قال المتولي نعم والماوردي لا لأنه ليس نائباً له بل للمسلمين‏.‏

قلت قول الماوردي أصح قال الماوردي فلو عزله الإمام وعهد إلى ثان ثم عزل المعهود إليه أولاً نفسه فعهد الثاني باطل ولا بد من استئنافه والله أعلم‏.‏

الخامسة سبق في باب الأوصياء أن الإمام لا ينعزل بالفسق على الصحيح ولا ينعزل بالإغماء لأنه متوقع الزوال وينعزل بالمرض الذي ينسيه العلوم وبالجنون قال الماوردي فلو كان يجن ويفيق وزمن الإفاقة أكثر ويمكن فيه من القيام بالأمور لم ينعزل وينعزل بالعمى والصمم والخرس ولا ينعزل بثقل السمع وتمتمة اللسان وفي منعهما ابتداء الولاية خلاف والأصح أن قطع إحدى اليدين أو الرجلين لا يؤثر في الدوام وبالله التوفيق‏.‏

قلت ومما يتعلق بالباب مسائل أحدها قال الماوردي لو أسر الإمام لزم الأمة استنقاذه وهو على إمامته ما دام مرجو الخلاص بقتال أو فداء فإن أيس منه نظر ان أسره كفار خرج من الإمامة وعقدوها لغيره فإن عهد بالإمامة وهو أسير نظر إن كان بعد اليأس من خلاصه لم يصح عهده لأنه عهد بعد انعزاله وإن عهد قبل اليأس صح عهده لبقاء ولايته وتستقر إمامة المعهود إليه باليأس خلاص من العاهد لانعزاله ولو خلص من أسره نظر إن خلص بعد اليأس لم تعد إمامته بل تستقر لولي عهده وإن خلص قبل اليأس فهو على إمامته وأما إذا أسره بغاة من المسلمين فإن كان مرجو الخلاص فهو على إمامته وإن لم يرج وكانت البغاة لا إمام لهم فالأسير على إمامته وعلى أهل الاختيار أن يستنيبوا عنه إن لم يقدر هو على الاستنابة فإن قدر فهو أحق بالاستنابة فإن خلع الأسير نفسه أو مات لم يصر المستناب إماماً وإن كان للبغاة الذين أسروه إمام نصبوه خرج الأسير من الإمامة إن أيس من خلاصه وعلى أهل الاختيار في دار العدل عقد الإمامة لمن يصلح لها فإن خلص الأسير لم يعد إلى الإمامة لخروجه منها‏.‏

المسألة الثانية تجب نصيحة الإمام بحسب القدرة‏.‏

الثالثة يجوز أن يقال للإمام الخليفة والإمام وأمير المؤمنين قال الماوردي ويقال أيضاً خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البغوي في شرح السنة ويقال له أمير المؤمنين وإن كان فاسقاً وقد أوضحت ذلك وما يتعلق به في أواخر كتاب الأذكار والله أعلم‏.‏

 الباب الثاني في قتال البغاة

وفيه أطراف الباغي في اصطلاح العلماء هو المخالف لإمام العدل الخارج عن طاعته بامتناعه من أداء واجب عليه أو غيره بشرطه الذي سنذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

قال العلماء ويجب قتال البغاة ولا يكفرون بالبغي وإذا رجع الباغي إلى الطاعة قبلت توبته وترك قتاله وأجمعت الصحابة رضي الله عنهم على قتال البغاة ثم أطلق الأصحاب القول بأن البغي ليس باسم ذم وبأن الباغين ليسوا بفسقة كما أنهم ليسوا بكفرة لكنهم مخطئون فيما يفعلون ويذهبون إليه من التأويل ومنهم من يسميهم عصاة ولا يسميهم فسقة ويقول ليس كل معصية بفسق والتشديدات الواردة في الخروج عن طاعة الإمام وفي مخالفته كحديث من حمل علينا السلاح فليس منا وحديث من فارق الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وحديث من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية كلها محمولة على من خرج عن الطاعة وخالف الإمام بلا عذر ولا تأويل‏.‏

 فصل الذين يخالفون الإمام بالخروج عليه

وترك الانقياد والامتناع من أداء الحقوق ينقسمون إلى بغاة وغيرهم ولكل واحد من الصنفين أحكام خاصة فنصف البغاة بما يتميزون به ونذكر في ضمنهم غيرهم من المخالفين‏.‏

أما البغاة فتعتبر فيهم خصلتان أحدهما أن يكون لهم تأويل يعتقدون بسببه جواز الخروج على الإمام أو منع الحق المتوجه عليهم فلو خرج قوم عن الطاعة ومنعوا الحق بلا تأويل سواء كان حداً أو قصاصاً أو مالاً لله تعالى أو للآدميين عناداً أو مكابرة ولم يتعلقوا بتأويل فليس لهم أحكام البغاة وكذا المرتدون ثم التأويل للبغاة إن كان بطلانه مظنوناً فهو معتبر وإن كان بطلانه مقطوعاً به فوجهان أوفقهما لإطلاق الأكثرين أنه لا يعتبر كتأويل المرتدين وشبهتهم والثاني يعتبر ويكفي تغليطهم فيه وقد يغلط الإنسان في القطعيات‏.‏

فرع الخوارج صنف من المبتدعة يعتقدون أن من فعل كبيرة كفر وخلد في النار ويطعنون لذلك في الأئمة ولا يحضرون معهم الجمعات والجماعات قال الشافعي وجماهير الأصحاب رضي الله عنهم لو أظهر قوم رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وكفروا الإمام ومن معه فإن لم يقاتلوا وكانوا في قبضة الإمام لم يقتلوا ولم يقاتلوا ثم إن صرحوا بسب الإمام أو غيره من أهل العدل عزروا وإن عرضوا ففي تعزيرهم وجهان‏.‏

قلت أصحهما لا يعزرون قاله الجرجاني وقطع به صاحب التنبيه‏.‏

والله أعلم‏.‏

ولو بعث الإمام إليهم والياً فقتلوه فعليهم القصاص وهل يتحتم قتل قاتله كقاطع الطريق لأنه شهر السلاح أم لا لأنه لم يقصد إخافة الطريق وجهان‏.‏

قلت أصحهما لا يتحتم والله أعلم‏.‏

وأطلق البغوي أنهم إن قاتلوا فهم فسقة وأصحاب بهت فحكمهم حكم قطاع الطريق فهذا ترتيب المذهب والمنصوص وما قاله الجمهور وحكى الإمام في تكفير الخوارج وجهين قال فإن لم نكفرهم فلهم حكم المرتدين وقيل حكم البغاة فإن قلنا كالمرتدين لم تنفذ أحكامهم‏.‏

الخصلة الثانية أن يكون لهم شوكة وعدد بحيث يحتاج الإمام في ردهم إلى الطاعة إلى كلفة ببذل مال أو إعداد رجال ونصب قتال فإن كانوا أفرادا يسهل ضبطهم فليسوا بغاة وشرط جماعة من الأصحاب في الشوكة أن ينفردوا ببلدة أو قرية أو موضع من الصحراء وربما قيل يشترط كونهم في طرف من أطراف ولاية الإمام بحيث لا يحيط بهم أجناده والأصح الذي قاله المحققون أنه لا يعتبر ذلك وإنما يعتبر استعصاؤهم وخروجهم عن قبضة الإمام حتى لو تمكنوا من المقاومة وهم محفوفون بجند الإسلام حصلت الشوكة وتتعلق بالشوكة صور ذكرها الإمام‏.‏

أحدها حكى في قوم قليلي العدد تقووا بحصن وجهين ورأى أن الأولى أن يفصل فيقال إن كان الحصن على حافة الطريق وكانوا يستولون بسببه على ناحية وراء الحصن فالشوكة حاصلة وحكم البغاة ثابت لئلا الثانية قال لو تحرب من الشجعان عدد يسير يقوون بفضل قوتهم على مصارمة الجموع الكثيرة حصلت الشوكة بلا خلاف‏.‏

الثالثة قال يجب القطع بأن الشوكة لا تحصل إذا لم يكن لهم متبوع مطاع إذ لا قوة لمن لا يجمع كلمتهم مطاع وهل يشترط أن يكون فيهم إمام منصوب لهم أو منتصب وجهان ويقال قولان أصحهما عند الأكثرين لا يشترط وبه قال العراقيون والإمام وفي المنهاج للشيخ أبي محمد أنه يشترط فيهم أن يمتنعوا من حكم الإمام وأن يظهروا لأنفسهم حكما ويشبه أن يقال هذا طريق مخالفة الإمام ولا بد فيهم منها ثم تعتبر الخصلتان فليس فيه مخالفة ما سقناه وبالله التوفيق‏.‏

الطرف الثاني في حكم البغاة وفيه مسألتان أحدها شهادة البغاة مقبولة بناء على أنهم ليسوا فسقة ولفظ الشافعي رحمه الله ولو شهد منهم عدل قبلت شهادته ما لم يكن يرى الشهادة لموافقته بتصديقه فأثبت العدالة مع البغي فإن كان لهم قاض في بلد قال المعتبرون من الأصحاب إن كان يستحل دماء أهل العدل لم ينفذ حكمه لأنه ليس بعدل ومن شرط القاضي العدالة وكذا يقول هؤلاء فيما لو كان الشاهد يستحل دماء أهل العدل وأموالهم ومنهم من يطلق نفوذ قضاء البغاة لمصلحة الرعية وإن لم يكن قاضيهم ممن يستحل دماء أهل العدل وأموالهم ونفذ حكمه فيما ينفذ فيه حكم قاضي أهل العدل فلو حكم بما يخالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي فهو باطل حتى لو قضى على رجل من أهل العدل بضمان ما أتلف في الحرب عليهم لم ينفذ قضاؤه وكذا لو حكم بسقوط ضمان ما أتلفوه هم على أهل العدل في غير القتال لم ينفذ ولو حكم بسقوط ضمان ما أتلفوه في القتال نفذ حكمه ولا تجوز مطالبتهم بعد ذلك لأنه مجتهد فيه ولا ينفذ قضاء الباغي إذا كان من الخطابية الذين يقضون لموافقتهم بتصديقهم إذا قضى لموافقه كما ترد شهادته له‏.‏

فرع إذا كتب قاضيهم حيث ينفذ قضاؤه بما حكم به إلى حاكم أهل العدل جاز قبوله وتنفيذه ويستحب أن لا يقبل استخفافاً بهم وإن كتب بما ثبت عنده ولم يحكم به فهل يحكم قاضينا به فيه قولاً ن أظهرهما نعم وحكى الإمام طرد القولين فيما حكم به واستعان فيه بالاستيفاء قال وكنت أود لو فصل فاصل بين حكم يتعلق بأهل النجدة وحكم يتعلق بالرعايا‏.‏

فرع لو ورد من قاضي البغاة كتاب على قاضينا ولم يعلم أنه ممن يستحيل دماء أهل العدل أم لا ففي قبوله والعمل به قولاً ن حكاهما ابن كج قال واختيار الشافعي منهما المنع‏.‏

المسألة الثانية إذا أقام البغاة الحدود على جناة البلد الذي استولوا عليه وأخذوا الزكاة من أهله وخراج أرضه وجزية الذميين فيه اعتد بما فعلوه وإذا عاد البلد إلى أهل العدل لم يطالبوا أهله بشيء من ذلك وفي الجزية وجه شاذ لبعدها عن المسافة ولو فرقوا سهم المرتزقة من الفيء على جندهم ففي وقوعه موقعه وجهان أحدهما لا لئلا يكون عوناً لهم وأصحهما نعم لأنهم من جند الإسلام وإرعاب الكفار حاصل بهم‏.‏

فرع إذا عاد البلد الى أهل العدل فادعى من عليه حق أن البغاة استوفوه ولا يعلم الإمام ذلك ولا بينة فإن كان زكاة صدق بيمينه وهل اليمين واجبة أم مستحبة فيه خلاف سبق في الزكاة وإن كان جزية لم يصدق على الصحيح وكذا إن كان خراجاً على الأصح لأنه أجرة أو ثمن بخلاف الزكاة فإنها عبادة ومواساة ومبناها على الرفق وإن كان حداً فقال المتولي يصدق إن كان أثره باقياً على بدنه وإلا فإن ثبت بالإقرار صدق لأنه يقبل رجوعه وإن ثبت بالبينة فلا‏.‏

الذين لهم تأويل بلا شوكة أو شوكة بلا تأويل ليس لهم حكم البغاة ولا ينفذ قضاء حاكمهم ولا يعتد باستيفائهم الحقوق والحدود وفي أصحاب الشوكة احتمال للإمام لئلا يتضرر أهل الناحية التي استولوا عليها والمعروف للاصحاب ما سبق والتحكيم فيهم على الخلاف المعروف في غيرهم‏.‏

الطرف الثالث في حكم ضمان المتلف من نفس أو مال بين الفريقين فإذا أتلف باغ على عادل أو عكسه في غير القتال ضمن قطعاًعلى ما تقرر من القصاص والقيمة وأما في حال القتال فما يتلفه العادل على الباغي لا يضمنه وما يتلفه الباغي على العادل من نفس أو مال هل يضمنه قولان أظهرهما لا فإن كان القتل عمداً ففي القصاص طريقان أصحهما طرد القولين والثاني القطع بالمنع لشبهة تأويلهم فإن أوجبنا القصاص فال الأمر إلى الدية فهي في مال القاتل وإن لم نوجبه فهل يكون له حكم العمد فتتعجل الدبة في مال القاتل أم حكم نسبه شبه العمد فتتأجل على العاقلة فيه خلاف كمن قتل مسلماً على زي الكفار وأما الكفارة فتجب حيث أوجبنا قصاصاً أو دية وإلا فوجهان أصحهما المنع طرداً للإهدار ولأنها أولى فرع القولان فيما أتلف بسبب القتال وتولد منه هلاكه فلو أتلف في القتال ما ليس من ضرورة القتال وجب ضمانه قطعاً كالمتلف قبل القتال ذكره الإمام‏.‏

فرع الأموال المأخوذة في القتال يجب ردها بعد انقضاء الحرب إلى أصحابها يستوي فيه الفريقان فإن أتلفت بعد انقضاء الحرب وجب الضمان‏.‏

فرع لو استولى باغ على أمة أو مستولدة لأهل العدل فوطئها ألزمه الحد فإن أولدها فالولد رقيق غير نسيب فإن كانت مكرهة فهل يجب المهر قيل فيه القولان في ضمان المال وقال البغوي ينبغي أن يجب قطعاً كما لو أتلف المأخوذ بعد الانهزام ولو استولى حربي على أمة مسلمة وأولدها فالولد رقيق وغير نسيب ولا حد ولا مهر لأنه لم يلتزم الأحكام‏.‏

فرع هذا الذي سبق من حكم الإتلاف هو في قتال البغاة فأما المخالفون للإمام بتأويل بلا شوكة فيلزمهم ضمان ما أتلفوه من نفس ومال وإن كان في حال القتال كقطاع الطريق وأما الذين لهم شوكة بلا تأويل ففي ضمان ما أتلفوه في القتال طريقان أحدهما يجب قطعاً كعكسه وأصحهما طرد القولين كالباغي لأن سقوط الضمان عن الباغي لقطع الفتنة واجتماع الكلمة وهذا موجود هنا ولو ارتدت طائفة لهم شوكة فأتلفوا مالا أو نفسا في القتال ثم تابوا وأسلموا ففي ضمانهم القولان كالبغاة أظهرهما عند بعضهم لا ضمان وخالفه البغوي ولا ينفذ قضاء قاضي المرتدين قطعاً‏.‏

الطرف الرابع في كيفية قتال البغاة طريقها طريق دفع الصائل والمقصود ردهم إلى الطاعة ودفع شرهم لا النفي والقتل فإذا أمكن الأسر لا يقتل وإذا أمكن الإثخان لا يذفف فإن التحم القتال واشتدت الحرب خرج الأمر عن الضبط قال الإمام وقد يتخيل من هذا أنا لا نسير إليهم ولا نفاتحهم بالقتال وأنهم إذا ساروا إلينا لا نبدأ بقتالهم بل نصطف قبالتهم فإن قصدونا دفعناهم قال وقد رأيت هذا لطائفة من الأصحاب وهو خطأ بل إذا أذنهم الإمام بالحرب ولم يرجعوا إلى الطاعة سار إليهم ومنعهم من القطر الذي استولوا عليه فإن انهزموا وكلمتهم واحدة اتبعناهم إلى أن يتوبوا ويطيعوا وليس قتال الأولى لا يغتالون ولا يبدؤون بالقتال حتى ينذروا فيبعث الإمام إليهم أميناً فطناً ناصحاً فإذا جاءهم سألهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة وعللوا مخالفتهم بها أزالها وإن ذكروا شبة كشفها لهم وإن لم يذكروا شيئاً أو أصروا بعد إزالة العلة نصحهم ووعظهم وأمرهم بالعود إلى الطاعة فإن أصروا دعاهم إلى المناظرة فإن لم يجيبوا أو أجابوا فغلبوا وأصروا مكابرين آذنهم بالقتال فإن استنظروا بحث الإمام عن حالهم واجتهد فإن ظهر له أنهم عازمون على الطاعة وأنهم يستنظرون لكشف الشبهة أو التأمل والمشاورة أنظرهم وإن ظهر له أنهم يقصدون الاجتماع أو يستلحقون مدداً لهم لم ينظرهم وإن سألوا ترك القتال أبداً لم يجبهم وحيث لا يجوز الإنظار فلو بذلوا مالاً ورهنوا أولادهم والنساء لم يقبله لأنهم قد يقوون في المدة ويظهرون على أهل العدل ويستردون ما بذلوه وإذا كان بأهل العدل ضعف أخر القتال ونص في الأم أنه لو كان عندهم أسارى من أهل العدل فسألوا والحرب قائمة أن يمسك ليطلقوهم وأعطوا بذلك رهائن قبلنا فإن أطلقوا الأسارى أطلقنا الرهائن وإن قتلوهم لم يجز قتل الرهائن بل لا بد من إطلاقهم بعد انقضاء الحرب‏.‏

الثانية من أدبر منهم وانهزم لم يتبع وكذا من ألقى سلاحه وترك القتال لم يقاتل وانهزام الجند بأن يتبدد وتبطل شوكتهم واتفاقهم فلو ولوا ظهورهم وهم مجتمعون تحت راية زعيمهم لم ينكف عنهم بل يطلبهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ولو بطلت قوة واحد واعتضاده بالجمع لتخلفه عنهم مختاراً أو غير مختار لا يقتل ولا يتبع ومن ولى متحرفاً لقتال أتبع وقوتل وإن ولى متحيزاً إلى فئة فإن كانت قريبة أتبع وإلا فلا على الأصح وربما أطلق وجهان من غير فرق بين قريبة وبعيدة وأجري الوجهان فيما لو بطلت شوكة الجند في الحال ولم يؤمن اجتماعهم في المآل وموضع الاتفاق أن يؤمن اجتماعهم‏.‏

الثالثة لا يقتل مثخنهم ولا أسيرهم وجوز أبو حنيفة قتلهما صبراً فلو قتل عادل أسيرهم ففي وجوب القصاص عليه وجهان لشبهة خلاف أبي حنيفة‏.‏

قلت أصحهما لا قصاص والله أعلم‏.‏

ولا يطلق الأسير قبل انقضاء الحرب إلا أن يبايع الإمام ويرجع إلى الطاعة باختياره ولو انقضت الحرب وجموعهم باقية لم يطلق إلا أن يبايع وإن بذلوا الطاعة أو تفرقت جموعهم أطلق فإن توقع عودهم ففي الإطلاق الوجهان السابقان وينبغي أن يعرض على أسراهم بيعة الإمام هذا في أسير هو أهل للقتال فأما إذا أسر نساءهم وأطفالهم فيحبسون إلى انقضاء القتال ثم يطلقون هذا هو الأصح وفي وجه لأبي إسحاق إن رأى الإمام في إطلاقهم قوة أهل البغي وأن حبسهم يردهم إلى الطاعة ويدعوهم إلى مراجعة الحق حبسهم حتى يطيعوا وفي وجه له حبسهم مطلقا كسرا لقلوب البغاة وعلى هذا وقت تخليتهم وقت تخلية الرجال وأما العبيد والمراهقون فأطلق جماعة أنهم كالنساء وإن كانوا يقاتلون وقال الإمام والمتولي إن كان يجيء منهم قتال فهم كالرجال في الحبس والإطلاق وهذا حسن ولا شك أن العبيد والمراهقين والنساء إذا قاتلوا فهم كالرجال في أنهم يقتلون مقبلين ويتركون مدبرين ويجوز أسر كل هؤلاء المذكورين ابتداء‏.‏

فرع إذا ظفرنا بخيلهم وأسلحتهم لم نردها حتى ينقضي القتال ونأمن غائلتهم بعودهم إلى الطاعة أوتفرقهم ولا يجوز استعمالها في القتال فلو وقعت ضرورة ولم يجد أحدنا ما يدفع عن نفسه إلا سلاحهم أو ما يركبه وقد وقعت هزيمة إلا خيولهم جاز الاستعمال والركوب كما يجوز أكل مال الغير للضرورة وما ليس من آلات الحرب من أموالهم يرد إليهم عند انقضاء الحرب‏.‏

الرابعة لا يقاتلهم بما يعم ويعظم أثره كالمنجنيق والنار وإرسال السيول الجارفة لكن لو قاتلونا بهذه الأوجه واحتجنا إلى المقابلة بمثلها دفعاً أو أحاطوا بنا واضطررنا إلى الرمي بالنار ونحوها فعلناه للضرورة وإن تحصنوا ببلدة أو قلعة ولم يتأت الاستيلاء عليها إلا بهذه الأسباب فإن كان فيها رعايا لابغي فيهم لم يجز قتالهم بهذه الأسباب وإن لم يكن فيها إلا البغاة المقاتلون فكذلك في الأصح لأن ترك بلدة في أيدي طائفة من المسلمين قد يمكن الاحتيال في محاصرتهم والتضييق علهم أقرب إلى الأصلاً ح من اصطلام أمم‏.‏

الخامسة لا يجوز أن يستعان عليهم بكفار لأنه لا يجوز تسليط كافر على مسلم ولهذا لا يجوز لمستحق قصاص أن يوكل كافراً باستيفائه ولا للإمام أن يتخذ جلاداً كافراً لإقامة الحدود على المسلمين ولا يجوز أن يستعان بمن يرى قتلهم مدبرين إما لعداوة وإما لاعتقاده كالحنفي إلا أن يحتاج إلى الاستعانة بهم فيجوز بشرطين أحدهما أن تكونه فيهم جرأة وحسن إقدام والثاني أن يتمكن من منعهم لو ابتغوا أهل البغي بعد هزيمتهم ولا بد من اجتماع الشرطين لجواز الاستعانة كذا حكاه ابن الصباغ والروياني وغيرهما عن اتفاق الأصحاب ولفظ البغوي يقتضي جوازها بأحدهما‏.‏

السادسة لو استعان البغاة علينا بأهل الحرب وعقدوا لهم ذمة وأماناً ليقاتلوا معهم لم ينفذ أمانهم علينا فلنا أن نغنم أموالهم ونسترقهم ونقتلهم إذا وقعوا في الأسر ونقتلهم مدبرين ونذفف على جريحهم وقال القاضي حسين لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم والصحيح الأول وهل ينعقد الأمان في حق البغاة وجهان أصحهما نعم فإن قلنا لا فقال البغوي لأهل البغي أن يكروا عليهم بالقتل والاسترقاق والذي ذكره الإمام على هذا أنه أمان فاسد وليس لأهل البغي اغتيالهم بل يبلغونهم المأمن فلو قالوا ظننا أنه يجوز لنا أن نعين بعض المسلمين على بعض أو ظننا أنهم المحقون أو ظننا أنهم استعانوا بنا في قتال الكفار فوجهان أحدهما لا اعتبار بظنهم الفاسد ولنا قتلهم واسترقاقهم وأصحهما أنا نبلغهم المأمن ونقاتلهم مقاتلة البغاة فلا يتعرض لهم مدبرين وما أتلفه أهل الحرب على أهل العدل غير مضمون عليهم وما يتلفون على أهل البغي مضمون إن نفذنا أمانهم لهم وإلا فلا ولو استعان البغاة بأهل الذمة في قتالنا نظر إن علموا أنه لا يجوز لهم قتالنا ولم يكرهوا انتقض عهدهم وحكمهم حكم أهل الحرب فيقتلون مقبلين ومدبرين ولو أتلفوا بعد القتال شيئاً لم يضمنوه وقيل في انتقاض عهدهم قولان وإن قالوا كنا مكرهين لم ينتقض على المذهب ويقاتلون مقاتلة البغاة وإن قالوا ظننا أنه يجوز لنا إعانة بعض المسلمين على بعض أو أنهم يستعينون بنا على كفار أو أنهم المحقون لم ينتقض على المذهب وقيل قولان وإن لم يذكروا عذراً انتقض على المذهب وقيل قولان ثم قيل القولان إذا لم نشترط عليهم ترك القتال في عقد الذمة فإن شرط انتقض قطعاً وقيل قولان مطلقاً وحيث قلنا ينتقض فهل يبلغون المأمن أم يجوز قتلهم واسترقاقهم فيه خلاف مذكور في الجزية فإن قلنا يبلغون المأمن فهل لنا قتلهم منهزمين وجهان وجه الجواز أنه من بقية العقوبة على القتال ثم الذي ذكره البغوي وغيره أنه كما ينتقض عهدهم في حق أهل العدل ينتقض في حق أهل البغي وفي البيان أنه ينبغي أن يكون في انتقاضه في حق البغاة الخلاف في المسألة السابقة وإن قلنا لا ينتقض فهم كالبغاة في أنه لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم ولو أتلفوا شيئاً على أهل العدل لزمهم الضمان بخلاف البغاة فإنهم لا يضمنون في قول لأنا أسقطنا الضمان عنهم استمالة لقلوبهم إلى الطاعة لئلا ينفرهم الضمان وأهل الذمة في قبضة الإمام ولو أتلفوا نفساً قال الإمام إن أوجبنا القصاص على البغاة فأهل الذمة وإلا فوجهان أحدهما يجب كالضمان والثاني لا للشبهة المقترنة بأحوالهم وإذا قلنا لا ينتقض الأمان فجاءنا ذمي تائبا ففي ضمان ما أتلف طريقان أحدهما نعم والثاني على قولين كالبغاة‏.‏

فرع قاتل أهل الذمة أهل البغي لا ينتقض عهدهم على الصحيح لأنهم حاربوا من يلزم الإمام محاربتهم‏.‏

فرع استعان البغاة بمن لهم أمان إلى مدة انتقض أمانهم فإن قالوا كنا مكرهين وأقاموا بينة على الإكراه فهم على العهد وإلا انتقض أيضاً‏.‏

 فصل اقتتل طائفتان باغيتان

فإن قدر الإمام على قهرهما وهزمهما لم يعن إحداهما على الأخرى إلاإذا أطاعت فيعينها على الأخرى وإن لم يقدر على قهرهما ضم إلى نفسه أقربهما إلى الحق واستعان بهم على الأخرى وإن استويا اجتهد فيهما ولا يقصد بضم المضمومة إليه معاونتها بل يقصد دفع الأخرى فإن اندفع شر الأخرى لم يقاتل المضمومة إلا بعد أن يدعوها إلى الطاعة لأنها بالاستعانة صارت في أمانه ولو أمن عادل باغياً نفذ أمانة وإن كان عبداً أو امرأة‏.‏

فرع حكم دار البغي حكم دار الإسلام وإذا جرى فيها ما يوجب الحد أقامه الإمام‏.‏

فرع يتحرز العادل عن قتال قريبه الباغي ما أمكنه‏.‏

فرع قال المتولي يلزم الواحد من أهل العدل مصابرة اثنين من البغاة فلا يولي عنهما إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة‏.‏

فرع نص في المبسوط أنه إذا غزا أهل العدل والبغاة مشركين واجتمعوا في دار الشرك فهم في الغنيمة سواء والقاتل منهم يستحق السلب وأما الخمس فيفرقه الإمام وأنه لو وادع أهل البغي مشركين لم يقصدهم أحد من المسلمين ولو غزا أهل البغي قوما من المشركين قد وادعهم الإمام فسبوا منهم فإذا ظهر الإمام عليهم رد السبي على المشركين وأنه لو أمن أهل العدل رجلاً من البغاة فقتله رجل جاهل بأمانه وقال علمته باغياً وظننت أنه جاءنا لينال غرتنا حلف وألزم الدية وإن قتله عامداً اقتص منه وأنه لو قتل عادل عادلاً في القتال وقال ظننته باغياً حلف وضمن الدية وأنه لو سبى الكفار من أهل البغي وقدرنا على استنقاذهم وجب الاستنقاذ وبالله التوفيق‏.‏